تعلمت من بلدي حكمة الانحناء
كيف تتهاوى السنبلة في العاصفة الهوجاء
تحني رأسها للرّيح كي تنجو
هو فن البقاء
ليس الكل يتقنه
فماذا بعد هذا البقاء؟؟
علّمني بلدي
أن الجرو يصبح شِبْلاً
إذا بصبص الذيل ذلًا وغباءْ
وأن الضفدع يصبح عجلاً
إذا تنافخ كذبا وهواءْ
تعلَّمتُ كيف تكون الثَّورة عبثا
حين تتناقلها أيادي السُّفهاء
وأن غضب الأحرار فُرادا
بين جُموع الخونة
وحشد الكَذَبَة
عواء في الصحراء
علَّمني وطني
كيف الأم تلفظ أبناءها
ترفث أنطافها
تقيم الحفل على نخب الغرباء
وكيف ينخرط الإخوة في الحفل
يتراقصون على جثث الحلم
تتقاذفهم زفرات السُّكرِ
من دون عباء
يا آخر طلقات الشُّموخ
متى تستفيق أمتك السّكرى
من براثم الخيبة
وإحياء الذِّكرى
وكلُّ تواريخها العرجاء
ملَّت أقلام التاريخ أحبارها
في كل عصر
مع كل جيل
تكرِّرُ أخبارها
النّكسة تلو النّكبة
فالخيبة
وأرقام القتلى
تشيُّعها لطمات البواكي
نحيبُ ثَكْلَى وبُكاء
استغلّ الغريب أرضك
واستباح المخنّث عرضك
وتمزَّقت أوصال بلادي
بين نهضة ونداء
حماة الحمى يا حماة الحمى
أتحمي قطيعه
أم تبيع خلسة مرعاه؟؟؟
شعب تُـفـَوِّت يسراه ما حصَّلت يُمْنَـاهْ
يُصَفِّــقُ للمواكب المعسكرة
وقد أعياه النَّهب ما أعياه
وفي الجبهة أحمق متربص
بابن أبيه ميــّتا أرداه
أفي دينك يُقتل موحِّدُ
تحت مباركة الكهنة
أم اعتنقت الحمق سواه
وتونس تبكي قاتلا
وتحصي ثَاكِلًا قتلاه
والنُّخَب تتكالب في ثراها
كوابل من جرادِ
مخلِّفا مُسرِعًا عجفاه
وطن أضعت ملامحه
فلم يعد يتراءى لي
سوى ملامح الظُّلَّام
وصورة الجلّادِ
هذي بلاد باعت كل شيء
كل أرض، كل عرض
غدت جرداء
من كل تاريخ وامجادِ
تلاحت كشمس
تخفّت في غَيْـمِ حِدَادِ
غاب عن الصُّورَةِ الجَـبَـلُ
وواحةُ النّخلِ
ورونق الوادِي
وحلّت صناعة الموت
عتمة الإرهاب
وكل ما كره فؤادي
تحامل الجبل خامدا نيرانه
ولاح وجهُ السّفحِ
خجولا من تحت رمادِ
وطن شحيح باعني في غفلة
حين تصالح السَّارق بالقوّادِ
وطن ضاق بي صدرا
كأني العاقّ بين العبادِ
حتّى إخوتي باتوا يهتفون
يردِّدُون كأنهم في فرقة إنشادِ
فهذا التلقين الأحمق يقتلني
يطردني
أمضي وفي القلب لوعة
فصدرك ما عاد يتسع لثورتي وعنادي