قصيدة للمتنبي في مدح الحسين بن علي الهمذاني
--------------------------------------------------------------------------------
لَـقَـد حازَني وَجدٌ بِمَن حازَهُ بُعدُ فَـيـا لَـيـتَني بُعدٌ وَيا لَيتَهُ iiوَجدُ
أُسَـرُّ بِتَجديدِ الهَوى ذِكرَ ما iiمَضى وَإِن كانَ لا يَبقى لَهُ الحَجَرُ iiالصَلدُ
سُـهـادٌ أَتانا مِنكَ في العَينِ iiعِندَنا رُقـادٌ وَقُـلّامٌ رَعـى سَربُكُم iiوَردُ
مُـمَـثَّـلَـةٌ حَتّى كَأَن لَم iiتُفارِقي وَحَتّى كَأَنَّ اليَأسَ مِن وَصلِكِ الوَعدُ
وَحَـتّـى تَكادي تَمسَحينَ iiمَدامِعي وَيَـعـبَقُ في ثَوبَيَّ مِن ريحِكِ النَدُّ
إِذا غَـدَرَت حَـسناءُ وَفَّت iiبِعَهدِها فَـمِـن عَهدِها أَن لا يَدومَ لَها iiعَهدُ
وَإِن عَـشِـقَت كانَت أَشَدَّ iiصَبابَةً وَإِن فَرِكَت فَاِذهَب فَما فِركُها قَصدُ
وَإِن حَقَدَت لَم يَبقَ في قَلبِها iiرِضىً وَإِن رَضِيَت لَم يَبقَ في قَلبِها iiحِقدُ
كَـذَلِـكَ أَخـلاقُ الـنِساءِ iiوَرُبَّما يَضِلُّ بِها الهادي وَيَخفى بِها iiالرُشدُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرح أبي العلاء للأبيات
وقال يمدح الحسين بن علي الهمذاني:
لقد حازني وجدٌ بمن حازه بعد فياليتني بعدٌ ويا ليتـه وجـد
حازني: أي جمعني.
يقول: قد ملكني الوجد والحزن، بمن استولى عليه البعد، فيا ليتني البعد؛ لأكون معه، ويا ليته الوجد ليكون معي أبداً.
أسر بتجديد الهوى ذكر ما مضـى وإن كان لا يبقى له الحجر الصلد
ذكر نصب بتجديد الهوى وهو مصدر جدد، والصلد: الصلب اليابس.
يقول: أنا أسر إذا جدد لي الشوق ذكر الشدائد التي سرت على في الهوى، وإن كان مما لا يطيق الحجر الصلد احتماله.
نسب ذكر ما مضى إلى تجديد الهوى؛ إذ لولا الهوى. ما تجدد.
سهادٌ أتانا منك في العين عندنـا رقادٌ، وقلامٌ رعى سربكم ورد
القلام: نبت خبيث الرائحة. والسرب: الإبل.
يقول: إني أستلذ الألم فيما ينالني من أجلك وأستحسن القبيح في حبك، فالسهر في عيني ألذ من النوم، والقلام إذا رعت إبلكم أطيب عندي من الورد ومثله: أحب لحبـهـا الـسـودان حـتـى أحب لحبـهـا سـود الـكـلاب
ممثلةٌ حتى كـأن لـم تـفـارقـي وحتى كأن اليأس من وصلك الوعد
يقول: أنت مصورة في قلبي، حتى كأنك لم تفارقيني، وإن بعدت عني حتى كأن يأسي منك وعدٌ بلقائك.
وحتى تكادي تمسحين مدامعـي ويعبق في ثوبي من ريحك الند
يقول: من قوة تمثلك في قلبي، أظن أنك عندي تمسحين مدامعي وتعانقيني فأجد في ثوبي رائحة الند من ريح ثوبك.
إذا غدرت حسناء أوفت بعهدها ومن عهدها ألا يدوم لها عهد
يقول: إن الحسناء تفي بعهدها، وعهده ألا يكون لها عهد أي لا يكون لها لقاء، فغدرها إذاً يكون وفاء بعهدها وقيل: معناه إن الحسناء إذا غدرت، وفت هي بعهدها؛ لأنها مخالفة لسائر النساء.
وقيل: أراد أن المرأة إنما عهدت على الغدر وبه جرت عادتها، فقد فعلت هي إذا غدرت بما جرت به عادتها، فإذا أوفت بعهدها، غدرت ووفت بعهدها؛ لأن عهدها ألا يدوم لها عهد ولا ود.
ومثله لأبي تمام: فلا تحسبن هنداً لها الغدر وحـدهـا سجية نفس كـل غـانـيةٍ هـنـد
وإن عشقت كانـت أشـد صـبـابةً وإن فركت فاذهب فما فركها قصد
القصد: الاقتصاد.
يقول: إن المرأة إذا عشقت، أو أبغضت أفرطت في الحالين فعشقها بمن يعشقها أشد، وبغضها إذا أبغضت أشد، لا اقتصاد لها في ذلك. وقوله: فاذهب إشارة إلى أنه ليس يجب أن يعتمد عليهن في حال من الأحوال.
وإن حقدت لم يبق في قلبها رضـاً وإن رضيت لم يبق في قلبها حقد
وهذا تأكيد لما مضى من نفي الاقتصاد أيضاً.
كذلك أخلاق الـنـسـاء وربـمـا يضل بها الهادي ويخفى بها الرشد
الهاء في بها وبها للنساء.
يقول: إن أخلاق النساء على ما وصفته لك، ولكن العاقل ربما ضل عقله بحبهن، وخفي عليه رشده، فيغلب هواهن رأيه.
ولكم تحياتي ...